• الحاج "أحمد أحمد أبو شادي".. من مواليد قرية "تفهنة العزب"، مركز زفتى، غربية، في إبريل 1928م.
• تعلم في كُتاب القرية، والتحق بالمدرسة الابتدائية، وتدرج في الشهادات حتى حصل على ليسانس الحقوق من جامعة عين شمس عام 1958م.
• عقب خروجه من السجن عام 1974م عمل بالكويت حتى الغزو العراقي عام 1990م، ثم عاد إلى مصر ليتفرغ للدعوة.
نشأة "أبو شادي":
يقول "أحمد أبو شادي" إنه نشأ في بيئة كانت حريصةً على تعلم القرآن الكريم، فرغم اشتغال والده بالزراعة، إلا أنه كان محبًا للقرآن الكريم وتاليًا له، كما أنه كان حريصًا على حضور دروس الفقه في القرية، وكانت أمنية والدي أن يراني بالمسجد الجامع خطيبًا يلقن الناس دروس الفقه؛ ولذلك دفعني في سن الخامسة لكتاب القرية، وعزف عن إلحاقي بالمدرسة الإلزامية؛ كي أتفرَّغ للقرآن، ولم يعبأ بما فُرض عليه من مخالفات مالية، وحظر على أهل الدار أن يكلفني أحدٌ بأي أمر مهما كان بسيطًا، قائلاً لهم: "إنني قد وهبته للقرآن فقط".
وحينما بلغت سن 12 سنة ألحقني والدي بمعهد طنطا الأحمدي، ولكن للأسف لم أوفَّق؛ لأن الشيخ الذي كان يعلِّمُني القرآن فاته أن يدرس لي الحساب الذي امتحنوني فيه في الأحمدي، فلم أوفَّق، وكانت صدمة لي ولوالدي، وعاودت الكرّة مرةً أخرى، ولم أوفَّق، فالتحقْتُ بمعهد المنشاوي العام، ثمَّ عاودت الكرَّة مع الأحمدي ولم أوفَّق، فعُدت إلى بلدتي؛ ولأنني لم أعمل بالزراعة فظللت فترةً لا أعمل، وكان الجميع يعايرني بالفشل.
وذات يوم جاء أحد أصدقاء والدي لزيارته، ونصحه بإرسالي إلى مدرسة زفتى الأهلية، واسمها "أمير الصعيد"، وكانت تقبل التلاميذ كبار السن، وكان والدي غير مقتنع بهذه الفكرة؛ لأنه كان يعتقد أن هذه المدارس تفشل في تعليم أمور الدين.
ودخلت المدرسة، وتفوقت فيها، وكنت الأول في سنيِّ دراستي؛ لأنني كنت راغبًا في عمل شيء لاسترداد كرامتي، خاصةً أني قد اشتهرت في بلدتي بـ(الساقط)، وحصلت على الابتدائية وكانت فرحة كبيرة "أحمد أفندي أخذ الشهادة"، فعملت كاتبًا بوزارة الدفاع.. ، إلا أنني وجدت نفسي أقل المؤهلات، فدخلت مدرسةً ليليةً، وحصلت على الثقافة، ثم التوجيهية، ثم التحقت بكلية الحقوق عام 1950م، وحصلت على الشهادة عام 1958م لظروف السجن، كما عملت في وزارة العدل لفترة، وبعد خروجي من السجن 1974م سافرت إلى الكويت وعملت مستشارًا قانونيًا لديوان المحاسبة في الكويت حتى عام 1990م ثم عدت إلى مصر.
رمضان في القرية:
أذكر وأنا صغير أن الشيخ "عبد الوهاب وهدان"- عمدة القرية- كان عالمًا فذًا وخطيبًا مفوَّهًا لبقًا، وكان في ليالي رمضان يمرُّ على البيوت ويرافقه شيخ البلد وخفير يحمل (كلوبًا) وآخَر يحمل سلاَّت الفاكهة يوزعها على صغار القراء تشجيعًا لهم، وفي الصباح يتقابل الصغار ويتباهون بما حصلوا عليه من جوائز، كما كان يعطي القرَّاء الصغار (العيدية)، كلٌّ على حسب حفظه وقراءته.
وكان والدي في رمضان حريصًا على ترتيب أحد القراء لإحياء ليالي رمضان بتلاوة القرآن في بيتنا، وكان أهل القرية والناحية يأتون لسماع القرآن حتى وقت السحور، حيث كان يسهر عندنا الشيخ "عمر القصراوي"، والشيخ "داود عودة".
التحاقي بالإخوان:
ويقول الحاج "أحمد أبو شادي": والتحقت بالإخوان المسلمين في رمضان عام 1947م، وكنت قبلها منتسبًا لحزب الوفد، الذي كان مسيطرًا على الشارع السياسي والشعبي في مصر، وكان الإخوان إلى جانب الوفد لا يُذكرون، وكنت أرى أن الوفد فيها "النحاس باشا" و"سليمان زكي باشا" و"فؤاد سراج الدين باشا"، فلماذا أنضمُّ إلى "حسن البنا" المدرس الابتدائي؟!! وذات مرة دعاني أحد أقاربي، وهو الحاج "إبراهيم سلامة" بالانضمام إلى الإخوان المسلمين، وقال لي: تعالى يا أحمد، ندخل الإخوان سنطبق الشريعة، ونمنع الخمور والزنا، وكنت أرفض الاستجابة له للأسباب السابقة.
وعندما كنت في القاهرة دعاني ذات مرة للإفطار في منزله بالعباسية، وقال لي عقب الإفطار إن الشيخ "حسن البنا" سوف يلقي محاضرةً في أحد ميادين العباسية، كانت لديَّ فكرة أن الإخوان جماعة عمال وفلاحين غير منظمين.. إلا أنني عندما دخلت السرادق ذُهلت لِما شاهدتُه من وجوه تبدو عليها أنَّها متعلمة ومثقفة، وكانت المفاجأة عندما دعاني مقدم الحفل لافتتاح الحفل بقراءة القرآن الكريم، وقرأت القرآن إلى أن جاء الشيخ "حسن البنا"، وتعالت الهتافات "الله أكبر ولله الحمد"، وسلمت على الشيخ "حسن"، وقال لي: تقبل الله.. ففوجئت بنفسي أقبِّل يداه.
وكنت أول مرة أسمع له، وتأثرت بحديثه حيث قال حديثًا لم أتعود عليه، فأذكر مما قال: إذا كانت بريطانيا تزعم أنها سيدة البحار، وأنها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وإذا كانت روسيا تزعم أن لديها الجيش الأحمر، وإذا كانت أمريكا تتباهى بالقنبلة الذرية... فإننا لدينا ما هو أقوى من ذلك كله، وهو الإيمان بالله، وفاض في الحديث عن الإيمان، ولفت نظري إجابته على الأسئلة.. حيث كان يجيب عليها، وكأنه يقرأ من كتاب، فأدركت وقتها أن هذا الرجل بحر من العلم، وبدأت منذ ذلك الحين أتابع جريدة (الإخوان).
والتحقت بكلية الحقوق، وفي الجامعة تظهر الحركات السياسية أكبر من ظهورها في الشارع، وعندما كنت أذهب للصلاة في مسجد الجامعة كنت أجد مجموعةً من الإخوان، فأصبح هناك تجاوبٌ إلى أن أعطاني أحدهم كتابًا هديةً، كان لهذا الكتاب الفضل في تغيير حياتي وهو كتاب "الإسلام وأوضاعنا القانونية" للشهيد "عبد القادر عودة".
رمضان في الشعبة:
التحقت بشعبة العباسية، وكانت من أعظم شُعَب القطر كله، حيث يتركز بها سلاح الصيانة وسلاح المهندسين وكثيرٌ من الكليات الجامعية، وكانت هذه الشعبة كخلية نحل، ولم يكن هناك أي قيود، وكانت هناك عادةٌ طيبة في شهر رمضان حيث كانت الشعبة تدعو بعضها البعض إلى الإفطار، وكنّا في رمضان نوزع أنفسنا في حي العباسية على أربع مجموعات تتحرك في أربعة اتجاهات لإيقاظ الناس لصلاة الفجر، فكانت المساجد وقت صلاة الفجر مثل صلاة الجمعة.
كنا نجمع الزكاة ونوزعها على الأهالي في الشعبة؛ فمن أهداف الجماعة خدمة البنية التحتية للجماهير، وكان الجميع في العشر الأواخر يدخل الاعتكاف بمن فيهم أعضاء مكتب الإرشاد الذي كان يأخذ إجازة؛ من أجل الاعتكاف.
رمضان في السجن:
كانت فترة السجن من أخصب الفترات، حيث حفظنا القرآن الكريم، وتربينا مع الإخوان، وحصلنا على الكثير من الدروس، وكنا في رمضان نقسم أنفسنا إلى مجموعات لمدارسة القرآن والسيرة وممارسة الأنشطة الرياضية، ومن الذكريات التي لا أنساها أنه في 18 رمضان عام 1955م حدثت واقعة مؤلمة جدًا في السجن الحربي، وضُبط عند أحد الإخوان حديث يحثُّ على الصبر! فقاموا بجلد الإخوان الخمسة الموجودين في الزنزانة في ظهر هذا اليوم أمام الجميع؛ حتى إن أحد الضباط المسيحيين عندما شاهد ذلك قال: "حرام عليك يا حمزة بيه، دول صايمين"، ولم يلتفت حمزة لذلك نهائيًا!!. وقد صوّر الشيخ "القرضاوي" هذه الواقعة بقصيدة عظيمة يقول فيها عن حمزة البسيوني:
من ظنَّ قانونًا هناك فإنما قانوننا حمزة البسيوني
جلاد مصر الغرّ رمز عذابها أسموه زورًا قائدًا لسجون
وجهٌ عبوثٌ قمطريرٌ حاقدٌ مستكبر القسمات والعرنيين
في خده شجب ترى من خلفه نفسًا معقدة وقلبًا لعينًا
الشر يتبعه كظله كلما وافى إلينا الحين بعد الحين
كالذئب تشفيه الدماء إذا جرت ولربما ذئبٌ فيه بعض حنين!
سأظل أذكر يوم زار السجن في رمضان زورة جاحد مفتون
في صبح غزوة بدر أحيا ذكرها بإقام حفلٍ للعذاب مهين
بل للرجال وهم صيامٌ خشّع لم يرع حرمة شهرنا المرموم
لم يثنه نظام الشفاء من الأذى وخشوع أبصار وجوع بطون
سلط الألوف بالسياط هدية بدلاً من الزبيب المشتهى والتين
يا حمزة السفاح يا أعوانه من كل أخلق الأذى معجون
ماذا نقمتم من شبابٍ مؤمنٍ صلب القناة لدى الخطوب رصين
ألأن يومهم الصيام ويومكم فالجلد والشهوات والتسخين
ألا ليلهم القيام وليلكم في منكر بادي العواري مشين
ألأن ذكرهم الكتاب وذكركم سباب أهل الدين
أم أن حمزة حنّ للدم طبعه والطبع غلاب على المأمون
أم ساقه روح الفداء لغزونا فاغزُ اليهود وهناك لا تغزونا
اذهب لغزة يا هُمام وأنْسنا بجهادك الرامي صلاح الدين
أفعندنا كبش نطاح ونعجة وفي الحرب جماء بغير قرون